الدكتور مظهر شاهين: شاليمار شربتلي.. المرأة الحديدية التي رسمت مجدها بريشة الفن وعظمة العطاء.

القاهرة: خاص
في عالمٍ تتقاطع فيه أنساب المجد مع ملامح الإبداع، وتُنسج فيه العبقرية بخيوط الانتماء، تقف شاليمار شربتلي شامخةً كقيمة فنية وإنسانية استثنائية، تنتمي إلى طينة نادرة من النساء اللواتي لا يصنعن المجد فحسب، بل يضفن إليه لمسة من النُبل والتواضع والوفاء. فليست شاليمار مجرد فنانة تشكيلية وصلت إلى العالمية، بل هي شخصية مبهرة، جمعت بين رهافة الحس وقوة الموقف، وبين عراقة النسب وشهامة الطبع، وبين ولع الفن وشغف العطاء.
هذا ما أكده الدكتور مظهر شاهين عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مقال نشر بموقع الحرية الإخباري وأضاف قائلاً: ولدت شاليمار في بيتٍ يفيض بالكرم والمكانة، فأبوها هو الشيخ حسن عبد الله شربتلي، من الشخصيات الوطنية البارزة التي كان لها دور في بدايات تأسيس الدولة السعودية الحديثة، ورمز من رموز العطاء في الحجاز، عُرف بلقب “المحسن الكبير” لما قدمه من خدمات للمحتاجين والمجتمع في بلده وخارجها. لم يكن مجرد تاجرٍ كبير، بل كان شخصية دولية عُرف بعلاقاته الرفيعة، ومن بينها علاقة احترام وودّ خاصة جمعته بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بما يعكس روحًا قومية كانت ترى في مصر عمقًا وشقيقًا وشريكًا لا غنى عنه.
وقد ورثت شاليمار عن أبيها تلك الروح العربية الأصيلة، وامتزجت في تكوينها بين جذور سعودية ضاربة في الكرم، وأصول مصرية مشبعة بالثقافة والحب، فكانت ثمرة طيبة لبلدين كبيرين، لم يكن ولاؤها موزعًا بينهما، بل كان متكاملًا، إذ عشقت تراب مصر كما عشقت بلاد الحرمين، ورأت في كل شبر من هذه الأرض أو تلك ملامح أمها وأبيها، ومعالم روحها وهويتها.
دخلت عالم الفن من باب العاشقين، وتعمّقت فيه بوعي العارفين، حتى أصبح اسمها بين القلائل الذين مثّلوا الفن العربي في أرقى المعارض العالمية. لم تكن العالمية عندها استعراضًا أو ترجمة للاسم، بل ترجمة للروح، ولغة للصدق، لذلك اختيرت ضمن فريق عالمي لتزيين سيارات “بورشه” ، “فيراري” بأعمال فنية حصرية، في سابقة قلّ نظيرها، ثم عُرضت لوحاتها في باريس ونيويورك وميلانو وجنيف، لتكون بذلك أول فنانة عربية تُرسّخ وجودها في هذه العواصم لا بصفتها ضيفة، بل شريكًا ومبدعة لها بصمتها الخاصة.
وأضاف: ومع كل هذا الحضور الدولي المرموق، بقيت شاليمار لصيقة الأرض والناس، تحمل قلبًا عامرًا بالوفاء لمصر ومؤسساتها، فلم تتردد في الدفاع عنها في لقاءات صحفية عالمية، ولم تخشَ الهجوم حين تعرّضت لمحاولات ابتزاز خارجية خسيسة، هدفت للنيل من سمعتها ومواقفها، لكنها وقفت في وجهها بثبات وشموخ، رفضت المساومات، وتصدّت للظلم، وأثبتت أن المرأة العربية، حين تتسلح بالحق، لا تهزمها قوى الباطل، ولو تكاثفت.
ولأن القلوب العظيمة تلتقي دومًا، فقد جمعتها الحياة بزوجها المخرج الكبير خالد يوسف، أحد رموز الفن والإبداع العربي، فكان بينهما لقاء فكر وروح، لا مجرد شراكة حياة. ومع كل ما يحيط بالمشاهير من أضواء وظلال، واجها معًا تحديات الحياة العامة والخاصة، وظل الرابط بينهما أقوى من كل الظروف. كانا ينتصران في كل مرة، لا بالصخب ولا بالردود، بل بالحب الذي لا تهزّه العواصف، وبالثقة التي تتحطم عليها تقلبات الأيام. فصخرة حبّهما كانت دومًا أصلب من أي عارض، وأعمق من أي ضجيج عابر.
ولعل هذا الثبات في العلاقة، وذلك التماسك العاطفي والإنساني، لم يكونا إلا امتدادًا طبيعيًا لشخصية شاليمار التي لا تنكسر أمام العواصف، ولا تساوم على مبادئها. فقد واجهت في مسيرتها محنًا قاسية، لم تزدها إلا قوة وضياء، وأثبتت أن الكرامة ليست موقفًا طارئًا، بل نمط حياة، وأن الفن الذي لا تحرسه القيم، لا يحرسه المجد.
ومن يقترب من شاليمار إنسانًا، لا فنانة فقط، يكتشف شخصية فريدة تشعُّ بالثقافة والبساطة معًا. لا تتكلف في حديثها، ولا تتعالَ على أحد، بل تمزج الطرافة بالفكر، والنكتة بالحكمة، وتحوّل أي مجلس معها إلى فسحة من الجمال الإنساني، يتنقل فيها الحضور بين ضحكة صافية، وتأمل عميق، وحوار مشبع بالمعرفة، من الطب إلى الفلسفة، ومن الدين إلى الفن.
أما عطاؤها، فليس مجرد شعار ولا إعلان، بل حقيقة ملموسة في حياة الأيتام والفقراء والمحتاجين والمحبين، تُعطي بسخاء، وتواسي بصمت، وتُنفق كما أنفق والدها، إيمانًا منها بأن “الخير لا ينقص”، وأن الكرم شرف النفس لا فائض المال.
وفي هذا كله، لم تكن شاليمار مجرد امرأة ناجحة، بل كانت وما زالت واحدة من العظيمات على مرّ التاريخ، امرأة بلغت العالمية بفنها، وبلغت القلوب بتواضعها، وبلغت الخلود بعطائها. إنها في مصافّ من رسمن ملامح الإنسانية بجمال الأثر: في مقام الأم تيريزا حين أعطت دون حساب، وفي مقام مي زيادة حين ارتفعت بالكلمة، وفي مقام هدى شعراوي حين رفعت لواء الحق، بل أضافت إليهن بُعدًا جديدًا هو الجمع بين المجد الفني والحضور العربي النبيل.
وأختتم بقوله: شاليمار شربتلي، فنانة لا تُقاس لوحاتها بالألوان وحدها، بل بالأثر الذي تتركه في النفوس، وامرأة لا تُوزن بمكانتها فحسب، بل بميزان الوفاء والمروءة. هي قصيدة من المجد، كتبتها الحياة بحروف الصدق، ولحنتها المواقف، وزيّنتها القيم، واحتفظ بها التاريخ في صدر صفحاته، لتكون لمن بعدها من النساء والفنانين قدوةً ومثالًا، ولتبقى في أعين الأحرار “المرأة الحديدية” التي رسمت مجدها بريشة الفن وعظمة العطاء.