مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة بين السلطة والمساءلة

ياسر بن عبدالعزيز المسعود (*)
تُعَدّ الشركة ذات المسؤولية المحدودة أحد أبرز الكيانات التجارية في المملكة؛ لما توفره من حماية قانونية ومرونة عملية جعلتها الخيار الأسهل لكثير من المستثمرين ورواد الأعمال، وفي قلب هذا الكيان تبرز مكانة المدير بصفته خطًّا فاصلًا ومحركًا لأعمال الشركة وصمامَ الأمان لمصالح الشركاء؛ غير أن هذه المكانة تقترن بمسؤولية قانونية دقيقة، تجعل من الضروري الوقوف على حدود سلطاته ومجالات مساءلته.
وإذا كان المديرُ هو حجرَ الزاوية في كيان الشركة ذات المسؤولية المحدودة، فإن الخطوة الأولى لفهم موقعه تبدأ من معرفة كيف يُعيَّن، وهذا ما بيَّنه نظامُ الشركات السعودي (1443)؛ إذ يُعيَّن المديرُ في تلك الشركة سواءً بتحديده في عقد تأسيس الشركة أو بقرار لاحق من الشركاء. ويجوز تعيين أكثر من مدير، سواءً كانوا من الشركاء أو من الغير، ويحدِّد عقدُ التأسيس أو قرارُ الشركاء طريقةَ إدارة الشركة والأغلبية اللازمة لصدور القرارات (نظام الشركات، المادتان 160و 161).
وإذا كان تعيينُ المدير هو الخطوةَ الأولى التي تحدد موقعه داخل الشركة ذات المسؤولية المحدودة، فإن الخطوة التالية تكشف لنا ملامح دوره العملي وصلاحياته، وهو ما يظهر من خلال اختصاصاته؛ إذ يتمتع مديرُ الشركة ذات المسؤولية المحدودة بسلطات واسعة في إدارة أعمال الشركة وتصريف شؤونها اليومية، ما لم يُحدِّد عقدُ التأسيس قيودًا على هذه السلطات. وتتجلى أبرز اختصاصاته في تمثيل الشركة أمام القضاء والجهات الرسمية، وإبرام العقود، وتوظيف العاملين، وفتح الحسابات المصرفية، والتصرف بأموال الشركة لتحقيق أغراضها. ويجب على المدير الالتزام بواجب العناية والولاء تجاه الشركة، وعدم استغلال سلطاته لتحقيق مصلحة شخصية أو الإضرار بالشركة أو الشركاء (الرحيلي، 2023).
وفي حالة تعدد المديرين، يتولى كلٌّ منهم الإدارةَ وفقًا لما ورد بعقد التأسيس. ويُلزِم النظامُ المديرَ بإعداد القوائم المالية والتقارير السنوية وعرضِها على الشركاء خلال المهلة المحددة، كما يُسألُ المديرُ أمام الشركاء والغير عن أي تجاوز أو تقصير يقع منه خلال أداء مهامه وفقًا لأحكام المسؤولية المنصوص عليها في النظام(نظام الشركات، المادة 167) .
غير أن السلطةَ الممنوحةَ للمدير لا تأتي بلا قيود، فلكلِّ صلاحيةٍ تبعةٌ، ولكلِّ قرار ٍأثرٌ، ومن هنا تتعدد مسؤولياتُه لتأخذ صورًا مختلفة: مدنيةً تعالج الأضرار؛ وجنائيةً تحاسب على الأفعال المجرَّمة؛ ونظاميةً تضبط التزامه بأحكام النظام.
فالمسؤولية المدنية لمدير الشركة تتحدد بناءً على عدم التزامه بواجباته تجاه الشركة، أو الشركاء، أو الأشخاص الآخرين (العنزي، 2024). ويتحمل المديرُ مسؤوليةَ الأضرار التي تُصيب الشركة نتيجةَ سوءِ إدارتِه، أو إهمالِه، أو تجاوزِه للصلاحيات الممنوحة له، ويكون مُلزَمًا بتعويض الضرر إذا ثبت أنه ارتكب خطأً أو قصَّر في أداء مهامه. وفي حال وجود أكثر من مدير، وتسببوا في ضرر بعملٍ مشترك؛ فإنهم يتحملون جميعًا المسؤولية التضامنية التشاركية (نظام الشركات، المادة 161).
ووفقًا للقواعد العامة، يُعد مدير الشركة قد أدى واجبه في القرار الذي اتخذه بحُسن نية إذا لم يكن له مصلحة في موضوع القرار، وكان قد أحاط وألَمَّ بموضوع القرار إلى الحد المناسب في الظروف المحيطة وفقَ اعتقاده المعقول، معتقدًا اعتقادًا جازمًا وبعقلانية أن القرار يحقق مصالح الشركة، ويقع عبءُ إثبات خلاف ذلك على المدعِي (نظام الشركات، المادة 31)
أما المسؤولية الجنائية فيقر نظامُ الشركات (1443) مسؤوليةً جنائيةً على مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة إذا ارتكب أفعالًا مُجَرَّمة تضر بالشركة أو الشركاء أو الغير، وتشمل هذه الأفعال: التزوير في محررات الشركة، وتقديم بيانات كاذبة، وإساءة استعمال أموال الشركة، أو التصرف في موجوداتها بسوء نية (العنزي، 2024).
ولتعزيز هذا النهج الرقابي، أفرد النظامُ نصوصًا خاصة تُعنى بتحديد العقوبات المقررة وفقًا لجسامة الأفعال المرتكبة؛ إذ تنص المادة (217) من النظام على فرض عقوبات جنائية كالغرامة أو السجن بحسب جسامة المخالفة. وقد تمتد المسؤولية الجنائية إلى جميع المديرين إذا ثبتت مشاركتُهم أو علمُهم بالمخالفة دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها، ويهدف هذا التنظيم إلى حماية الشفافية وتعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية، كما يخضع المدير للعقوبات المقررة في أنظمة أخرى كنظام مكافحة التزوير ومكافحة غسل الأموال عند الاقتضاء.
وتُعنى المسؤولية النظامية لمدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة بمخالفته لأحكام نظام الشركات أو عقد تأسيس الشركة دون أن يترتب بالضرورة ضررٌ ماديٌّ. ووفقًا لنظام الشركات، يترتب على هذه المخالفات فرض جزاءات إدارية كالغرامات المالية أو المنع من إدارة الشركات لفترة محددة.
ومن صور المخالفات النظامية: إخلال مدير الشركة بالالتزام بإيداع القوائم المالية، أو عدم توجيه الدعوة لاجتماعات الشركاء وفق الأصول النظامية، أو عدم تزويد الوزارة بتقرير عن نشاط الشركة قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية السنوي (اللائحة التنفيذية لنظام الشركات، المادة 165).
ختامًا يُبرز نظام الشركات سالف الذكر إطارًا قانونيًّا متكاملًا ينظم مسؤولية مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة، مُحققًا توازنًا دقيقًا بين تمكينِه من ممارسة اختصاصاته الواسعة في إدارة الشركة وتصريفِ شؤونها، ومساءلتِه عن أي تجاوز أو إخلال بواجباته، فقد تنوعت أشكال المسؤولية بين (المدنية)، التي تُلزِم المديرَ بتعويض الأضرار الناتجة عن الإهمال أو سوء الإدارة، و(الجنائية)، التي تُعاقب على الأفعال المُجرَّمة كالتزوير أو إساءة استغلال أموال الشركة، و(النظامية)، التي تتناول المخالفات الإدارية كعدم تقديم القوائم المالية. وفي الوقت ذاته، منح النظامُ المديرَ ضماناتٍ مشروعةً للإعفاء من المسؤولية إذا أدى مهامَّه بحُسنِ نية والتزامٍ بواجبي العناية والولاء، مما يعزز الثقة في أدائه ويحمي مصالح الشركاء والغير.
ويعكس هذا التنظيمُ التزامَ المملكة العربية السعودية بتعزيز بيئة استثمارية آمنة وشفافة، تَدعم الشركات ذات المسؤولية المحدودة؛ لكونها من أهم ركائز الاقتصاد الوطني. غير أن نجاحَ هذا الإطار القانوني يتطلبُ تعزيزَ ثقافة الحوكمة داخل الشركات، وتفعيلَ آليات الرقابة من قبل الشركاء والجهات التنظيمية، إلى جانب تطوير برامج تدريبية للمديرين لرفع كفاءتهم في الالتزام بالضوابط النظامية وإدارة المخاطر، فالإطارَ القانوني لمسؤولية مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة يمثل حجرَ الأساس في ضبط صلاحياته ومحاسبته، ويعززُ من كفاءةِ الحوكمة واستدامةِ الشركات ودورها في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
(*) مؤسس شركة تقاضي العالمية للمحاماة والاستشارات القانونية