عُمان في يومها الوطني: استقرار راسخ ورؤية اقتصادية تتقدم بثبات
بقلم: أ. نصيف بن عساف الشمري
خبير مصرفي واقتصادي
Alassafnaseef @
تأتي المناسبة الوطنية لسلطنة عُمان هذا العام لتؤكد مجددًا مسار دولة استطاعت، عبر نهج متدرج وحكيم، ترسيخ موقعها كأحد أكثر النماذج استقرارًا واتزانًا في المنطقة. وفي هذه الذكرى المجيدة، يطيب لنا أن نتقدم إلى سلطنة عُمان، قيادةً وشعبًا، بأصدق التهاني والتبريكات، سائلين الله أن يديم عليها الأمن والازدهار، وأن يبارك في خطواتها نحو مستقبل أكثر تقدّمًا.
لقد شكّلت التجربة العُمانية خلال العقود الماضية نموذجًا فريدًا في الإدارة السياسية الرشيدة التي جنّبت البلاد الدخول في دوائر الاستقطاب والصراعات التي شغلت الإقليم والعالم. فسياسة السلطنة لم تُبنَ على ردود أفعال أو اندفاعات ظرفية، بل تأسست على رؤية استراتيجية متراكمة تستند إلى الحياد الإيجابي، وحسن قراءة المتغيرات الدولية، وامتلاك قدرة عالية على بناء جسور التواصل وتخفيف التوترات. وبهذه المنهجية، تمكنت عُمان من حماية مصالحها الوطنية وصون أمنها واستقرارها، بالتوازي مع قيامها بأدوار مؤثرة في الوساطة وتخفيف النزاعات، ما جعلها أحد أعمدة الحكمة السياسية في المنطقة.
وعلى المستوى الاقتصادي، اتخذت السلطنة مسارًا متدرجًا وواقعيًا في إعادة هيكلة اقتصادها وتطوير مصادر دخلها، بعيدًا عن القفزات غير المدروسة أو التوسع غير المحسوب. فقد اعتمدت سياسات مالية متوازنة، وإستراتيجيات استدامة قائمة على إدارة المخاطر وتعزيز كفاءة الإنفاق، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية الحديثة، وتطوير قطاعات الصناعة والخدمات والسياحة واللوجستيات. ويتّضح هذا النهج من خلال توجهاتها نحو تنويع الاقتصاد وتهيئة بيئة أعمال تنافسية، تستند إلى إصلاحات تشريعية وتنظيمية عززت جاذبية السلطنة للاستثمارات الإقليمية والدولية.
كما ظهرت فعالية الإدارة العُمانية بوضوح في تعاملها مع المتغيرات العالمية، سواء في تقلبات أسواق الطاقة أو في التحولات الجيوسياسية. فقد اختارت السلطنة نموذجًا يقوم على المرونة الاقتصادية والانضباط المالي، ما مكّنها من الحفاظ على استقرارها النقدي والمالي، وتحسين تصنيفاتها الائتمانية، وتطوير هياكل اقتصادية قادرة على امتصاص الصدمات. وهذه القدرة لم تكن نتيجة إجراءات ظرفية، بل حصيلة تخطيط طويل المدى يربط بين الاقتصاد والسياسة والأمن الوطني برؤية واحدة متناغمة.
وفي سياق متصل، حافظت عُمان على مكانتها الدولية عبر دبلوماسية قائمة على الصوت الهادئ والقرار المستند إلى تقدير استراتيجي بعيد المدى. وقد أثبتت السنوات الماضية أن هذا النهج ليس خيارًا تكتيكيًا، بل جزء من هوية الدولة الحديثة، حيث تتكامل أدوات السياسة الخارجية مع إدارة الاقتصاد الداخلي، بما يوفّر مظلة استقرار شاملة يستفيد منها المواطن والمستثمر على حد سواء. وفي ظل قيادة تؤمن بأن الحكمة ليست مجرد قيمة، بل ممارسة يومية، استطاعت السلطنة الانتقال من دولة تواجه تحديات تنموية كبيرة إلى دولة تمتلك نموذجًا مستقرًا يحظى بالاحترام الإقليمي والدولي.
وتعكس هذه المسيرة رؤية متوازنة تجمع بين صون الهوية الوطنية وتحقيق متطلبات العصر، وبين بناء اقتصاد منتج وحماية الاستقرار الاجتماعي، وبين الانفتاح المدروس والمواقف السياسية الراسخة. ولهذا أصبحت سلطنة عُمان مثالًا على أن التنمية المستدامة لا تنفصل عن السياسة المتزنة، وأن الحكمة ليست مهادنة، بل استخدام دقيق للأدوات التي تحفظ مصالح الدولة على المدى الطويل.
وفي يومها الوطني، تتجدد مكانة عُمان كدولةٍ استطاعت أن تجعل من الاستقرار مشروعًا وطنيًا، ومن الحكمة إطارًا للحكم، ومن الرؤية الاقتصادية منهجًا للتنمية. ومع هذه المناسبة المباركة، نهنئ الأشقاء في سلطنة عُمان ونسأل الله أن يديم عليهم نعمة الأمن والرخاء، وأن تستمر مسيرة النهضة بقيادة تضع المستقبل في مقدمة أولوياتها، وتؤمن بأن الدول تُبنى بالسلام والاستقرار والقرارات الرشيدة.